طافشين

هل تعلم أن سوريا تستضيف حالياً ٥٥ ألف لاجئ فار من الحرب في بلاده ؟!

فرّت الصومالية زهراء عبدي من العنف في بلدها لتجد نفسها محاصرة وعالقة في النزاع الدموي في سوريا، وفق وكالة أف ب الفرنسية، لكنها أصرت على البقاء خشية من “موت لا مهرب منه” إذا عادت إلى مسقط رأسها.

مع ثلاثة من أولادها، تعيش زهراء (47 عاماً) في غرفة صغيرة داخل منزل في مساكن برزة في شمال دمشق، في حي كان حتى الأمس القريب مجاوراً لمنطقة معارك طاحنة.

وتقول المرأة التي ترتدي عباءة سوداء وشالاً أزرق اللون “في سوريا الموت منظم، يمكن أن تهرب منه، لكن في الصومال الموت عشوائي. في كل وقت وفي أي مكان، لا مهرب منه”.

وتشرح “ثمة قصف وحرب في سوريا لكن هناك أيضاً أماكن يمكن اللجوء إليها، أما في الصومال يدخل المسلحون إلى المنازل ويقتلون من فيها”.

وتستضيف سوريا التي شُرّد وهُجّر أكثر من نصف سكانها داخل البلاد وخارجها منذ بدء النزاع في العام 2011، نحو 55 ألف لاجئ فروا من الحروب في بلادهم، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا.

ويتوزعون بين 31 ألف عراقي، بينهم من فرّ من المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة الى 1500 لاجئ أفغاني و1500 لاجئ سوداني وصومالي، بالإضافة إلى آلاف اللاجئين من جنسيات أخرى. ويعتاش هؤلاء من مساعدات تقدمها المفوضية أو من أموال يجنونها جراء ممارستهم بعض الأعمال البسيطة.

ولا يحتاج اللاجئون القادمون من دول عربية إلى تأشيرات لدخول سوريا.

وفرّت زهراء من إحدى ضواحي مقديشو في العام 2012، بعدما فقدت ابنتها (10 سنوات) إثر اغتصابها وطعنها بالسكين.

وتقول المرأة السمراء وقد افترشت الأرض في غرفتها وسط جيرانها “لا أريد لنفسي شيئاً، أريد مكاناً آمناً لأبنائي”.

ومنذ العام 1991، يشهد الصومال حالة من الفوضى والعنف وسط هيمنة ميليشيات قبلية وعصابات إجرامية ومجموعات إسلامية متطرفة.

“هربنا حفاة” وأقامت زهراء بعد وصولها إلى سوريا في بلدة التل في ريف دمشق التي سيطرت عليها الفصائل المعارضة في العام 2012 وشهدت حصاراً متقطعاً طوال أربع سنوات قبل أن يتم إجلاء المقاتلين المعارضين منها العام 2016.

وأجبرها الحصار والمعارك على النزوح مع عائلتها إلى دمشق في بداية العام 2014.

ورغم الظروف الصعبة التي تعيشها، تعتبر زهراء أن المهم هو “أننا مقبولون من كل الأطراف في سوريا”، مضيفة “سكننا في مناطق المعارضة سابقاً واليوم نقطن بسلام في مناطق النظام”.

وبخلاف زهراء، وصل معظم اللاجئين من جنسيات مختلفة إلى سوريا قبل بدء النزاع فيها في العام 2011، وفق مفوضية شؤون اللاجئين، على غرار فاتن العراقية وزوجها أليكس من جنوب السودان.

وفرّت فاتن (45 عاما)، وهي كلدانية من بغداد في العام 2007، حين كانت تشهد البلاد حربا طائفية شرسة بعدما تعرضت عائلتها لتهديدات بالقتل كون شقيقتها كانت تعمل في مطبخ تابع للقوات الأمريكية.

وبدأت التهديدات بشعارات على جدران المنزل تتهم العائلة بـ”الخيانة”، وتعرض منزل العائلة الى إطلاق نار.

وتقول فاتن “حين أحرقوا المنزل، عرفنا أنها النهاية ولا بد من الفرار”، مضيفة “خرجنا أخي وأختي وأنا من دون أن نأخذ معنا شيئا، مشينا حفاة كي لا نصدر صوتاً اثناء هروبنا”.

ولجأت فاتن الى كنيسة جميع القديسين في ضاحية جرمانا قرب دمشق، حيث التقت بخادم الكنيسة أليكس امازيا (69 عاما) وهو لاجئ سوداني.

في العام 1999، هرب اليكس من الحرب الأهلية الثانية في السودان. وبعد 12 عاماً، وخلال تواجده في دمشق، أعلنت جنوب السودان، المنطقة التي يتحدر منها، استقلالها. ولم تعترف سوريا بالدولة الجديدة، وبات أليكس من دون أوراق رسمية.

بعد نحو 18 عاماً أمضاها في سوريا توفي خلالها والده وشقيقه من دون أن يتمكن من حضور جنازتهما، يؤكد اليكس أنه “رغم كل الظروف الصعبة التي عشناها في سوريا، يبقى الوضع في جنوب السودان مروعا ولا يقارن بما نعيشه هنا”.

ويضيف “سوريا باتت جزءاً مني، أنا سوري”.

ويشهد جنوب السودان منذ العام 2013 حرباً اهلية سقط ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين.

وتزوج أليكس وفاتن في العام 2014، وهما يعيشان ويعملان في كنيسة جميع القديسين التي تستقبل كل يوم أحد عشرات اللاجئين المسيحيين تحديداً من العراق وجنوب السودان.

في قاعة الكنيسة الضيقة، يتمايل عشرات المصلين وغالبيتهم جنوب سودانيين بثيابهم الملونة على إيقاع التراتيل التي ينشدونها.

من جنوب السودان الى العراق ثم سوريا، تختصر فاتن قصتها مع زوجها قائلة “نشعر أننا عالقون هنا، لعنة الحروب تلاحقنا او نلاحقها”.

من الصومال ايضاً، انتقلت رقيّة عمر (60 عاما) إلى سوريا في العام 2007 هربا من العنف في بلدها لتعيش تفاصيل الحرب السورية، وتشهد مع ابنها محمد (26 عاما) على معارك عنيفة في العام 2012 انتهت بسيطرة الفصائل المعارضة على بلدة حرنة حيث كانت تقطن قرب دمشق.

وتقول السيدة التي تقيم حالياً في دمشق وهي تحمل بيديها بطاقة اللجوء خاصتها “عشنا كل تفاصيل الحرب مثل أي سوري، حوصرنا وسمعنا أصوات المعارك، لكنني لم أشعر بالخوف الذي شعرت به في الصومال حيث يطال الموت بالسكاكين والذبح أي أحد”.

وتقول وابنها بقربها “مللتُ الحرب، أحبّ أن أمضي ما تبقى من عمري مع ابني في أي بلد في العالم (…) أي بلد لا توجد فيه حرب”.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى