فلاش

جودة الهاشمي .. الجزائري حامل وسام الاستحقاق السوري

ضمن بستان مسمار، في منطقة الشرف الأعلى بنيت أولى ثانويات دمشق، وعلى طراز العمائر الأوروبية والمتأثرة ببعض الاتجاهات الزخرفية العربية، يقبع المبنى الذي انطلقت منه مظاهرات عدة ضد الانتداب الفرنسي.

المبنى الذي تخرج منه عشرات الشخصيات الوطنية والسياسية التي أسست حركات حزبية وفكرية في سوريا، حمل اسم “مدرسة التجهيز الأولى” حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، فتحول اسمها إلى ثانوية جودت الهاشمي، تكريما له بعد وفاته بعام واحد.

والهاشمي، هو أحمد الحسني الجزائري المعروف ب(جودة الهاشمي)، وينحدر من أبوين جزائريين نزحا خلال ثورة الجزائر في العام 1867، وفي دمشق رزقا عدداً من الأولاد بينهم أحمد الذي ولد في عام 1887.

التحق في سن مبكرة بكتّاب الشيخ سعيد الشريف الذي كان يعادل المدرسة الابتدائية، وظهر تفوقه لدى أستاذه الشيخ سعيد فنصح والده بإرساله إلى استانبول ليكمل دراسته، غير أن وضع والده المادي لم يكن يساعد على ذلك، فاصطحبه أستاذه مع عدد من الطلاب المتفوقين إلى استانبول وهناك خصص بمقعد داخلي في دار الشفقة عام 1899.

كان الهاشمي يومئذ في الثانية عشرة من العمر، حين لمس أساتذته تفوقه، فعدلوا اسمه وجعلوه (أحمد جودة) تعبيراً عن إعجابهم وقد عرف فيما بعد باسم جودة، كما هو مسجل في سجله المدني. ونظرا لتفوقه على جميع الطلاب الأتراك والغرباء الوافدين من كل أنحاء “الدولة العثمانية”، تم إيفاده إلى فرنسا ليكمل دراسته الجامعية في الرياضيات التي تحصل فيها على الليسانس عام 1913.

وعاد إلى استانبول فخيّرته الدولة بين العمل في تركيا مدرساً للرياضيات، أو في أحدى البلاد العربية، فطلب العودة إلى دمشق، وذلك رغم كل المغريات التي عرضت عليه لتدريس الرياضيات في إستانبول.

وتجاه إصراره على رفض البقاء في تركيا، رأت السلطة أن تعينه في غير دمشق، فعينته في بيروت في مدرسة المقاصد الخيرية ودرّس فيها سنة، ثم نقلته إلى القدس ليعمل في المدرسة الصلاحية.

بعد خروج العثمانيين من سوريا عام 1918، عاد إلى دمشق وعُيّن أستاذاً للعلوم الرياضية في مكتب عنبر الذي كان المكان الوحيد الذي يدرس التعليم الثانوي في دمشق. ثم عين مديراً لمكتب عنبر، إضافة إلى تدريسه الرياضيات. وخلالها سعى لدى الدولة السورية لإنشاء مدرسة نموذجية ثانوية.

وتم إنشاء مدرسة التجهيز الأولى، التي أسندت إليه إدارتها، إضافة إلى تدريسه الرياضيات فيها. وهي الثانوية الكبرى، التي أطلق عليها اسمه بعد رحيله في العام 1955، ولا تزال تحمل اسمه في قلب دمشق

وتولى جودة الهاشمي بعد ذلك في مناصب عدة، منها مدير التعليم الابتدائي، ثم عين مديراً للتعليم الثانوي، ثم أميناً عاماً لوزارة المعارف، وأحيل بعد ذلك إلى التقاعد، بعد أن بلغ السن القانونية.
وتكريما لعطاءاته منح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى في العام 1949.

وقام الهاشمي بتأليف عدد من الكتب في الرياضيات بكل فروعها، وكان دافعه إلى ذلك أن المستشار الفرنسي في أيام الانتداب، كان يحاول فرض تدريس الرياضيات باللغة الفرنسية بزعم أنه لا توجد في العربية اصطلاحات كافية، تمهيدا لفرض تدريس جميع مواد التعليم باللغة الفرنسية، وتعاون الأستاذ الهاشمي مع عدد من الأساتذة، للوقوف في وجه هذا التيار المدمر، وأخذ على عاتقه ما يتعلق بالرياضيات.

وانصرف الهاشمي إلى دراسة الاصطلاحات التي استعملها العرب في العصور القديمة، فاستقى منها ما استطاع، وعرّب ما استحدث فيما بعد من تعابير. وأصدر سلسلة من كتب الرياضيات لكل الصفوف الثانوية، فكانت كتبه نواة لكتب الرياضيات التي صدرت فيما بعد.

خلال الثورة السورية في العام 1925 لجأ عدد من الثوار إلى مدرسة التجهيز، فاستضافهم وكرس وقته لرعايتهم وتقديم الحماية لهم، كما كان خلال دراسته في فرنسا وقبلها في استانبول، على تواصل مع دعاة القضية العربية، وأسهم معهم في وضع اللبنة الأولى للقومية العربية.

ولم ينس الهاشمي، وهو في دمشق، واجبه نحو دول شمال إفريقيا، فعمل جاهدا من أجل حريتها، وشارك مع إخوانه المهجّرين في تأسيس “جمعية الدفاع عن المغرب العربي”، كما أسس جمعية لمساعدة النازحين من الأقطار العربية، أطلق عليها اسم “جمعية المقاصد الخيرية المغربية” في العام 1928.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى