سوريين عن جد

مريانا مرّاش..الحلبية التي كتبت التاريخ فأبدعت

 

عرفت مدينة حلب حياة أدبية زاخرة، ضمت طائفة من الأعلام في طليعتهم رزق الله حسون، وعبد الرحمن الكواكبي، وجبرائيل الدلال، والشيخ كامل الغزي، وقسطاكي الحمصي وغيرهم من الأعلام، وكانت في صفوفهم الأدبية “مريانا مراش”.

وكانت هواية الأدب تجمع بينهم وتؤلف بين قلوبهم برباط وثيق من الود، فلا يكاد أحدهم، ينظم قصيدة أو يكتب مقالة أو ينشئ مقامة حتى يبحث عن صديق أديب تتجاوب نفسه معه.

والتقوا كثيراً في منازل بعضهم تناشدوا الشعر، ونثروا النكات وتحدثوا أحاديث تمس المجتمع، تجاوزت هذه الأحاديث أنباء السياسة لكنها كانت ترد مهموسة أحياناً وفي جو من الخوف والذعر.

إذ لم يكن العهد الحميدي الذي نشأوا في ظلاله ليسمح لهم أن يتحدثوا هذه الأحاديث بروح منطلقة، في تلك الفترة نشأت مريانا مراش”.

وبرعت في كونها شاعرة وأديبة مرموقة، عازفة بيانو بارعة وصاحبة صوت جميل، وصاحبة أول صالون أدبي في المشرق، كما أنها أول سيدة عربية سورية كتبت المقالة الصحفية.

ولدت عام 1848 في حلب في بيت عريق يهتم بالأدب والفكر والثقافة، كان أبوها فتح الله مراش رجلاً له اهتمامات ثقافية، وكانت لديه مكتبة نفيسة، وكتب في موضوعات مختلفة إلا أن أعماله لم تجد طريقها الى الطباعة.

وأخوها هو الأديب فرنسيس مراش أحد أركان النهضة الأدبية في شمال سوريا في القرن التاسع عشر.

دخلت المدرسة المارونية في الخامسة من عمرها، وانتقلت إلى المدرسة الانجيلية في بيروت، فدرست فيها مبادئ اللغة العربية والحساب وبعض العلوم.

درست اللغة العربية على يد أخيها فرنسيس، واللغة الفرنسية في مدرسة راهبات مار يوسف، وبفضل أبيها برعت في الصرف والنحو والعروض.

ودرست الموسيقى فكانت من أبرع العازفات على البيانو، وما أن اكتملت ثقافتها الأدبية حتى أخذت تنشر مقالاتها في الصحف والمجلات.

كتبت في جريدة “لسان الحال”، وفي مجلة “الجنان”، مقالات انتقدت فيها استكانة الانثى في ذلك العصر، وحثت بنات جنسها على الثقافة والعلم والتحدي ورفض الواقع.

ودعت إلى الإسهام الفعلي للمرأة في الأدب و المعارف، و المشاركة في الصحافة، وساهمت بقوة في توعية نساء جيلها لضرورة رفع قيمة بناتهن من خلال التعليم.

سافرت إلى أوروبا وانفتحت على الحضارة الغربية، الأمر الذي شجعها على افتتاح صالونها الأدبي رغم اختناق الحياة الاجتماعية أيام الحكم العثماني.

أسست أول صالون أدبي في المشرق بمفهومه الحديث، لتسبق به كلاً من الأميرة فاطمة اسماعيل وهدى شعراوي ومي زيادة، وكان افتتاحه جرأة كبيرة منها في ذلك الوقت ومثالاُ على تحرر المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية والادبية.

وكان رواد صالونها الأدبي من أدباء حلب ومثقفيها آنذاك، أمثال رزق الله حسون، والأديب قسطاكي حمصي والمفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي، والصحفي عبد المسيح أنطاكي وجبرائيل دلال.

إضافة إلى جميل باشا والي حلب الذي عرف باهتمامه بالمشاريع العمرانية والتعليمية، والذي امتدحته مريانا مراش في قصيدة لمساهمته في تطوير حلب.

وكان هؤلاء المثقفون يجتمعون في صالونها لتبادل الآراء النقدية واستعراض آخر نتاجاتهم الفكرية ومطالعة كتب الأدب والتراث، ومناقشة الأوضاع السياسية.

ويستمتعون بصوت المغني” باسل حجازي” وهو يؤدي الأدوار والقدود والموشحات الحلبية، وكانت أحلى أوقاتهم تلك التي يقضونها في سماع مريانا وهي تعزف لهم الموسيقى أو تقرأ لهم قصيدة جديدة لها أو مقالة تود إرسالها الى الصحافة.

و وصف “قسطاكي الحمصي” هذا الصالون قائلاً: “كان منزلها في حلب مثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء والنبهاء وعشاق الأدب.”

ويبدو أن طرح مريانا مراش للأفكار التنويرية ودعوتها المرأة إلى النهوض من واقعها ،كان انعكاساً لقضايا شغلت نساء تلك السنوات، وبداية ولادة حركة نسوية سورية.

فتأسست عام 1880 جمعية علمية أدبية نسائية من قبل سيدات سوريات رائدات، أطلقن عليها اسم (باكورة سوريا)، و كانت أهدافها مستوحاة من أفكار مريانا مراش المتعلقة بتفتيح عقول النساء وتطوير وضعهن الاجتماعي.

واستطاعت مراش بعد عام من إطلاق تلك الجمعية أن تطبع كتابا جمعت فيه خطب عضوات الجمعية التي حملت عناوين عديدة مثل “الغاية التي خلق الإنسان لأجلها”، و”تهذيب العقل”، و”الكتب ومطالعتها”، و”الارتقاء”، و”حياة الإنسان وواجباته’، و”حقوق النساء”.

وانتقدت مرّاش أساليب الكتابة المقعرة في ذلك العصر وكانت باستمرار تدعو الى تطوير طرق الكتابة والانشاء وتنويع الموضوعات.

نظمت عدة قصائد ومقطوعات في أغراض شتى، وجمعت أشعارها في ديوان صغير بعنوان “بنت فكر” الذي طبع عام 1893 في بيروت برخصة من “نـِظارة المعارف الحلبية”.

وتعود قصائدها المنشورة فيه إلى سنوات 1888 و 1876 و1881 و 1877، وأقدمها يعود إلى عام 1874، واحتوى الديوان قصائد امتدحت فيها بعض رجال الدولة والدبلوماسين الذين كانوا يترددون على صالونها اضافة الى قصائد عاطفية اتسمت بالرقة والعذوبة.

يذكر أن دار مريانا مرّاش يقع حاليا في حارة “الحصرم” باتجاه اليسار من ساحة فرحات في منطقة الجديدة بحلب، حيث تشغل تلك الحارة حاليا ثانوية الأم ويبعد الدار عن الثانوية حوالي عشرين مترا إلى الشرق.

 روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى