رياضة

الأندية الصينية تواصل إنفاقها الجنوني: المال القادم من الشرق يهدد كرة القدم الأوروبية!

شهد يوم الجمعة الماضي الإعلان عن انتقال اللاعب البرازيلي أوسكار رسمياً من نادي تشلسي الإنكليزي إلى نادي “شنغهاي SIPG” الصيني مقابل 60 مليون جنيه إسترليني؛ في صفقة أحدثت ضجةً كبيرة في الأوساط الرياضية والإعلامية الأوروبية، التي نظرت إليها على أنها تجسيد واضح للتهديد الذي تمثله الأموال الصينية على استقرار السوق الأوروبية.

وشكلت هذه الصفقة “ضربة معلم” بالنسبة للنادي اللندني من الناحية المالية، حيث استطاع من خلالها جني ربح يعادل 35 مليون جنيه إسترليني من بيع لاعب ليس له مكان في التشكيلة الأساسية للفريق.

وإذا كان قبول تشلسي للعرض منطقياً، فإن قبول أوسكار له يعد “انتحاراً” من الناحية الكروية، فاللاعب البرازيلي لا يزال بعمر 25 عاماً، أي أنه يمر في مرحلة حاسمة من تطوره كلاعب، ومن المنطقي أن يحاول الرحيل عن تشلسي بحثاً عن فرصة اللعب كأساسي لإنعاش مسيرته الكروية، إلا أن هذه الفرصة كانت يمكن أن تأتيه عبر أهم الأندية الأوروبية، بدلاً من الدوري الصيني ضعيف المستوى.

يعني هذا أن اللاعب اتخذ قراره معطياً الأولوية للجانب المالي على حساب الرياضي (سيتقاضى أوسكار راتباً يعادل 400 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، فيما يبلغ أعلى راتب في الدوري الإنكليزي حسب التقارير 290 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، و الذي يتقاضاه بول بوغبا نجم خط وسط مانشستر يونايتد).

وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الكرة الأوروبية أزمة من هذا النوع، فقد شهدت خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة فورة مالية، بدأها رجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش بشرائه نادي تشلسي عام 2003، تلا ذلك دخول البترودولار العربي بقوة على الخط، بشراء “مجموعة أبو ظبي الاتحاد للتنمية و الاستثمار” لنادي مانشستر سيتي الإنجليزي عام 2008، ثم شراء “قطر للاستثمارات الرياضية” لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي عام 2011.

وأدت الاستثمارات المالية الأجنبية في حينه إلى قفزات جنونية في أسعار اللاعبين في أوروبا، معمقةً الهوة بين الأندية “الثرية” و تلك “الفقيرة” إذا جاز التعبير، ودفع ذلك الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” إلى سن قانون “اللعب المالي النظيف” الذي دخل حيز التطبيق عام 2015، والذي ينص على منع الأندية من شراء اللاعبين إلا من الأرباح التي يجنيها النادي أو من بيع لاعبين في المقابل، في محاولة للحد من تأثير الأموال الخارجية على سوق الانتقالات.

وإذا كانت الأموال النفطية المستثمرة ضمن كرة القدم الأوروبية قد زادت الهوة بين الأندية الثرية و الفقيرة محدثة أزمة داخلية، فإن الأموال الصينية تمثل تهديداً خارجياً للأندية الأوروبية الثرية والفقيرة معاً.

فعلى سبيل المثال، يعدّ دفع مبلغ 60 مليون جنيه إسترليني للتوقيع مع لاعب كأوسكار، ثم منحه راتباً يقارب 21 مليون جنيه إسترليني سنوياً، مخاطرة كبيرة لن يجرؤ أي ناد أوروبي على الإقدام عليها، إلا أن هذه المبالغ لا تشكلك ما يبدو أية مشكلة بالنسبة لنادي “شنغهايSIPG”، أو غيره من الأندية الصينية التي تتركز أولويتها في استقطاب النجوم لرفع مستوى الدوري من النواحي التسويقية قبل الرياضية.

ولا تمثل الأموال الصينية خطراً على الكرة الأوروبية من الناحية المالية فقط، بل ومن الناحية الفنية أيضاً، فهي تهدد بإحداث “هجرة مواهب” من الأندية الأوروبية تستهدف بالدرجة الأولى اللاعبين اللاتينيين، الذين يبدو أنهم أكثر عرضةً للانجراف وراء المال من نظرائهم الأوروبيين.

وسبق أوسكار في الانتقال من أوروبا إلى الصين مجموعة لا يستهان بها من اللاعبين اللاتينيين، وهي تضم أسماء كبيرة مثل البرازيليين هالك وراميريس و أليكسي تيكسيرا، والكولومبي جاكسون مارتينيز، والأرجنتيني إيزكييل لافيتزي.

ومن المحتمل أن يكون التالي على القائمة هونجم باريس سان جيرمان الأرجنتيني أنخيل دي ماريا،الذي قالت صحيفة “ليكيب” الفرنسية أنه يفاوض حالياً عدة أندية صينية بشأن الانتقال إلى صفوفها.

ومع ذلك فإن الخبر الأكثر إقلاقاً للأوروبيين سيكون صفقة انتقال الأرجنتيني كارلوس تيفيز إلى نادي “شانغهاي شينهوا”، و التي ترجح التقارير أنها ستتم في الأيام المقبلة، ورغم أن تيفيز يلعب في نادي بوكا جونيورز الأرجنتيني و ليس في نادٍ أوروبي، فإن تفاصيل الصفقة تكشف عن القوة المالية الضخمة التي يواجهها الأوروبيون، حيث سيصبح تيفيز البالغ من العمر 31 عاماً اللاعب الأعلى أجراً في العالم براتب 615 ألف جنيه إسترليني متفوقاً على أمثال كريستيانو رونالدو و ليونيل ميسي.

وتتجاوز الاستثمارات الصينية مسألة استقطاب النجوم العالميين إلى دوري البلاد، فهي جزء من مشروع ضخم له أهداف تتجاوز الرياضة إلى الاقتصاد والسياسة والثقافة، ووضع الرئيس الصيني شيجينبينغ، المعروف بشغفه الشخصي بكرة القدم، خطة مدتها عشر سنوات تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في مكانة بلاده في عالم لعبة كرة القدم.

وعبر الرئيس الصيني عن طموحه بالقول “يمثّل تحقيق ثورة على مستوى كرة القدم خطوة لا بد منها على طريق تحويل الصين إلى دولة رائدة على مستوى العالم في المجال الرياضي، وهذا جزء من الحلم الصيني، وهو ما يريده الشعب أيضاً”.

وتهدف الخطة إلى مضاعفة قيمة الاقتصاد الرياضي الصيني لتتجاوز 700 مليار دولار أمريكي، و هي تشمل زيادة الاستثمارات الحكومية والخاصة في كرة القدم، و إعداد 100 ألف لاعب كرة قدم صيني من خلال افتتاح مدارس كرة القدم والملاعب الشعبية، إضافة إلى إدخال كرة القدم كمادة إلزامية في المدارس.

ويأمل الرئيس الصيني في تتويج هذه الخطة بتأهل الصين إلى كأس العالم، ثم استضافته، ثم الفوز به؛ علماً أن المنتخب الصيني يحتل حالياً المركز الـ 82 في تصنيف الفيفا.

ولا يبدو أن “الهجوم المالي” الصيني العنيف على سوق الكرة الأوروبية سيتوقف في أي وقت قريب. و مع ذلك فإن الحديث عن تدخل ممكن لـ “يويفا” على غرار قانون “اللعب المالي النظيف” بهدف وضع ضوابط على انتقال اللاعبين إلى الأندية الصينية، لا يزال سابقاً لأوانه، لاسيما أن خطوة كهذه ستكون محكومة باعتبارات اقتصادية و سياسية تتجاوز كرة القدم.

 

جواد يوسف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى