موجوعين

أرجوحة القلب المعلقة في الشمال.. حلب

كما تسمرت أعين السوريين والمهتمين بالحدث السوري على أشرطة الشاشات التلفزيونية، تسمرت قلوبهم، فباتوا ليلتهم وأفاقوا منتظرين خبرا تنتقل معه حلب الجريحة من مدينة يقتسم السيطرة عليها فصائل تتبع “جبهة النصرة” شرقها وتفرد الدولة السورية وحلفاؤها السيطرة على غربها، إلى مدينة تخطو خطوتها الأولى نحو “مصالحة” طال الحديث عنها ولم تبدو آثارها حتى اليوم.

المصالحة الهدنة، ضبابية التفاصيل في أفقها القريب بالنسبة للشارع الحلبي وبالتالي السوري عموماً، حاك خيوطها من فرض هدن متلاحقة، يراهن معها الحلبيون على قدرة صناع القرار بوصفهم العارفين بخفايا الحدث السياسي مستحيل الفصل عن الميداني.

وإن كان الحديث عن مصالحات في مدينة حلب أمر يختلف الشارع الحلبي على تقبله ورفضه، فإنها تبدو للجميع تطوراً بديهياً للهدن المتفرقة الخجولة، نظرية التسمية سيئة التطبيق، والتي فرضها إعلامياً بشكل تدريجي ما يبدو انه اتفاق سياسي.

الهدن السابقة التي قوبلت بإطلاق رصاص متفجر وقذائف وإعدامات جماعية قام بها المسلحون المتشددون (وهم غالبية مسلحي المعارضة في حلب ريفا ومدينة) بحق مدنيين عزل أو راغبين بتسوية أوضاعهم واستغلال الهدنة للعبور نحو الأحياء الغربية في فترات ضمنت الحكومة السورية أنه سيكون “آمنا”.

المدينة بالريف “المشتعل” سابقا، والذي لا تدخل القوات الحكومية وحلفاؤها طرفا في معظم جبهاته والمتنازع على بعض مناطقه بين فصائل تدين بولائها لـ “داعش” وأخرى لا تقل راديكالية عنها ولكن بأسماء وولاءات خارجية مختلفة .

حلب، المدينة التي عانت من حالات “استاتيكو” يمكن وصف معظم جبهاتها بها خلال السنتين الماضيتين، شهدت تطورات “دراماتيكية” بين الفينة والأخرى غيرت قواعد المفاوضات ولم يكن لها اثرها الملحوظ على الحدث الميداني لهدوئها المفاجئ كما اشتعالها.

ففي الوقت الذي دخلها المسلحون في الشهر السابع من العام ٢٠١٢وسيطروا على حوالي نصف المدينة ، وهو النصف الشرقي الذي يتكون بمعظمه من أحياء شعبية فقيرة ، مرت أربع سنوات قبل استكمال الحصار على مسلحيها ، ومحاولة فرض الهدنة المصالحة أو أيا ما يمكن تسميته ، أسماء لم تعد أولوية للمواطن الحلبي .

المدينة التي تقبع تحت وطأة الحرب منذ خمس سنين ، حتى أجهزت على أحيائها القديمة فمحت مئات السنين من التراث والحضارة، تقف بمن بقي صامدا فيها أو فاقدا لخيارات مغادرتها، تنتظر كل تطور ميداني وسياسي على أمل أن تتنفس عميقا ملء رئتيها.

تنظر حلب بسكان مدينتها والوافدين إليها هربا واحتماءا من حرب استعرت يوما ما، تنظر إلى مستقبلها المرهون اليوم (بعيدا عن وضع ريفها) بأن هدنة هنا قد تغدو مصالحة تبطئ عجلة الموت التي تطحن حياة الحلبيين يوميا، نتيجة استهداف المسلحين لأحياء حلب الغربية بشكل عشوائي كحالة أصبحت يومية وجد الحلبيون طرقهم الخاصة للتأقلم معها.

المدينة التي مل سكانها نعتهم “بالصامدين” صرخت وفي أكثر من مفصل أن الصمود لم يكن خيارا بل حلا وحيدا لعواصف الموت المتتالية وأن اجتراح الحياة من رحم الموت هو وحده ما يتقنه الحلبي، وينسحب الأمر ذاته على أبناء الريف.

يمكن أن تفاجئ حلب الجميع فيأتي سطر نهاية الحكاية فيها أسرع مما يراهن عليه البعض، ولكن المدينة جريحة الجسد منهكة الروح تطرح مظلوميتها كما يطرح الريف مظلوميته، هذه الجدلية الحاكمة لحلب يمكن للعارف بالشأن الحلبي أن يتأكد من حتمية وجودها تاريخيا، وبالتالي من احتمال انفجارها مجددا.

وهنا لا يمكن الاختباء خلف إصبع من معطى تاريخي مماثل ، حتى بات يمكن القول أنه أزلي الوجود، هل يمكن الاكتفاء بمصالحة فرضها قرار سياسي بعد فشل التطبيق الحقيقي للهدنة، فتبقى حلب معلقة كأرجوحة حرب، أم هو خشبة أولى لوقف مسننات الحرب التي تأكل روح المدينة وريفها بعد أن أجهزت على عمرانها وبناها التحتية، على أمل البدء بتشخيص سليم يغسل آثار الدماء ليبني على أجساد الضحايا مسامحة تكون أساسا للمصالحة.

فرح يوسف – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى