بقلم رئيس التحرير

ورحل “ البغل “ .. اخر “ عماليق الثورة “ في حلب .. بقلم رئيس التحرير

مر خبر مقتل “ البغل “ مرور “ الكرام “ في زحمة الأخبار القادمة من الشمال، و” البغل “ هنا ليس هو الحيوان الهجين الذي ينتج من تزاوج “ فرسة وحمار ” ، وإنما حيوان من نوع اخر ، قائد “ ثوري “ شكل مع “ حجي مارع “ و” حسن جزرة “ ثالوث “ ثوري ” كان سيكتب في التاريخ ، واي تاريخ كان سيحمل مثل هذه الـ “مسخرة“ ، وكم من “ المساخر “ زرع في أذهاننا من التاريخ، كتبها منافقون مرتزقة لم يكن يميزهم إلا أنهم وقفوا على الضفة الثالثة، وصفقوا للحصان الرابح.

والبغل، هنا لا تعتبر بالعرف “الثوري“ شتيمة، هو لقب يعتز به صاحبه، وأتباعه، لكنهم لم يمتلكوا “ الحس الفني “ الكافي لتأليف أغنية ، على غرار “ نحنا الجزر نحنا الجزر ، حسن جزرة ربانا “

هو حسن مخيبر الشاغل ، الملقب بالبغل ، كان يملك قبل بدء الحرب مكبس قرميد بمنطقة المرجة ، “ الله رزقو “ وشكل مع بداية “ الثورة “ مجموعة مسلحة من 600 ل 700 “ بغيل مسلح “حاربوا في البداية مع “ لواء التوحيد” الذي شكله “ الإخونجي “ تاجر العدس عبد القادر الصالح الملقب بـ “ حجي مارع “ .

انتقل “ البغل بعدها ليقاتل تحت إمرة “ لواء السلطان مراد “ الإخونجي التمويل والهوى ، فالبغل يملك “ خطاً استراتيجياً ثابتاً “ على ما يبدو ، وتوج نفسه أميراً على مناطق “ المرجة وباب النيرب والحرابلة والحاووظ “

لا يبدو إطلاق صفة ” عمليق ” على ” حجي مارع ” أو ” حسن جزرة ” أكثر ألما من تذكر اي دمعة
لأي طفل هجره اتباع هؤلاء ” القادة ” أو أكثر كوميديا من ارتباط ألقابهم بـ ” العمليق ” ، وهو صغير العملاق الذي ظهر في مسلسل الأطفال ، السندباد ، حيث يحمله والده العملاق دوماً على كتفه .

شكلت الأموال التي تدفقت على المدعو عبد القادر الصالح ، الملقب بـ ” حجي مارع ” لتشكيل لواء التوحيد في بداية الحرب ، كذراع ضاربة للأخوان المسلمين في سوريا ، من الخارج ، حاملة له ، وضعته على كتف الخارج ، ليمارس لعبة لا تشبه أبدا تجارة الحبوب والعدس التي كان يمارسها قبل الحرب في سوريا .

كما شكلت الأموال التي أغدقت على حسن جزرة من كتائب ” غرباء الشام ” التابعة للقاعدة ، بالإضافة إلى الأموال التي جناها من سرقة المعامل ، حاملا مشابها له جعلت له ” أتباعاً ” يطلقون على أنفسهم لقب ” الجزر ” وهم فخورون بهذا الاسم .

ولا يبدو اعتماد الغرب والعرب على حد سواء ، على ” السذج ” ، وجعلهم ” قادة للثورة ” أمرا جاء من فراغ ، فالاستراتيجية التي اتبعها الغرب في سوريا خلال الأعوام الماضية، لا يمكن تنفيذها دون وجود أشخاص سذج يمكن إقناعهم ببساطة أن كل منهم هو ” روبسبير ” وأن ” روبسبير ” هو أحد أصحاب النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .

” حجي مارع ” و ” حسن جزرة ” و” البغل ” وغيرهم من ” قادة الثورة في حلب ” قد يكونون جزءا اساسيا من ” ميثولوجيا سورية ” تاسيسية لمرحلة مستقبلية تكون فيها حلب مدينة مستنسخة جينيا من إقليم ” خراسان الإسلامي ” شمال أفغانستان ، بفكر ” توري بوري ” ، طالما أصبح الدولار هو من يكتب التاريخ .

من أخبار الصناعة والصناعيين والفن والثقافة ، يصفعك محرك البحث ” غوغل ” حين تبحث عن أخبار حلب ، فحين تغض الطرف عن عدد النتائج التي تحوي كلمات مبهمة مثل ” داعش ” و” حاشا ” و” غزوة المغيرات صبحاً ” ، تقف مطولا مدهوشا أمام نتيجة بحث تخبرك عن ” استشهاد فاتح حلب ” والدهشة تصل إلى حد ” دهشة الدهشة ” حيث تقرأ أن فاتح حلب هو ” حجي مارع ” وأنه كان يعمل في تجارة العدس والدعوة الإسلامية .

يقول ” حجي مارع ” أو ” فاتح حلب ” صراحة في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ،مخاطباً مقاتليه ” ظفر واحد منكون بيسوى أهل حلب كلهون ” ، وإن كان ” فتح حلب ” فقد ” فتحها ” بالتعاون مع رئيس فرع الأمن العسكري بحلب ” محمد مفلح ” الذي باع المدينة لفاتحيها ، قبل أن يقتله سلاح الجو في طريق فراره إلى تركيا ، الدولة الراعية لكل من يساهدم بقتل حلب ، قتل المدينة التي لطالما كانت حاضرة الشرق المزدهرة .

هنا لا يمكن المرور دون الإشارة إلى أن منظومة الفساد ، التي نخرت عظم البلاد في الماضي ، والتي تشكل جزءا لا يتجزأ من فصول حكاية انتقال سوريا نحو ” البلقنة ” ، وأن هذا الجاهل المهمل في أقاصي الريف بحاجة لقدرة الهية لتقنعه أنه ليس ” ثائرا ” وأن ” حجي مارع ” و” حسن جزرة “ و “ البغل “ لم يكونوا أكثر من مجرد لصوص يسرقون الملايين على حساب الـ “ ١٥٠٠٠ “ التي يقبضها منهم شهريا أتباعهم مقابل حمل السلاح ، والانصياع الأعمى في بداية الحرب .

يخجل المعارضون السوريون من وراء أجهزة الكومبيوتر ، على صفحات الفيس بوك ، من تصرفات ” حسن جزرة ” ، ولا يعتبرونه مثالا لـ ” ثورتهم ” على الرغم من كونه إنسانا بسيطا وواضحا ، وهو صاحب المقولة الشهيرة ” الكونة بدها بوق”، و”الكونة” تعني القتال، و”البوق” بتخفيف القاف ولفظها قريبة من الكاف يعني السرقة، وبذلك يقول صراحة أنه سارق ، وأن السرقة مو عيب في عرفه .

أما “ البغل “ فقد أهمله “ ثوار الفيسبوك “ تماماً ، فاسمه “ غير بياع “ ، هجينا ، كحساباتهم الملونة تارة بالأحمر ، وتارة بالاصفر ، بحسب توجيهات الأخضر .

بالمقابل ، لا يخفى على أحد أن ” لواء التوحيد ” الذي تزعمه ” حجي مارع ” كان ” الذراع العسكرية الأولى والضاربة لجماعة ” الأخوان المسلمين ” في سوريا ، وأن مصدر تمويله هو ” الجماعة ” وفق وسائل إعلام ودراسات لمراكز الأبحاث ومنها معهد ” كارنيجي ” ، ولكن الإعلام الذي يشكل جزءا من الحرب في سوريا ، ساهم في تضخيم صورة ” حجي مارع ” وتصويره مع غيره من “ الكراكوزات “ على أن كل منهم ” روبسبير الثورة السورية ، لتنتقل رسالة “ الاخونجية إلى عشرات المجموعات ، والتركيز دائما على حلب ، المهملة . ”

يتابع السندباد السوري رحلته نحو الاستقرار في بحر من الأمواج المتلاطمة ، في الوقت الذي” يسقط فيه “ اخر عماليق الثورة السورية ” من على أكتاف ابائهم غير الشرعيين

وللمصادفة ، قتل “ البغل “ في ذكرى مقتل “ الجزرة “ ، تراجيديا سورية بطعم الكوميديا ، التي تبدأ في الشرق ولا تنتهي في الغرب ، فالقتل على يد الأعداء غير كاف ليحول المجرم إلى “ هيرو “.

 

عبد الله عبد الوهاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى